فصل: الوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{عاقبة} بالنصب: ابن عامر وعاصم وحمزة وعلي وخلف. الآخرون: بالرفع. {السوأى} بالإمالة: أبو عمرو وحمزة وعلي وخلف وحماد {يرجعون} على الغيبة: أبو عمرو غير عباس وأوقية وسهل ويحيى وحماد {تخرجون} بفتح التاء وضم الراء: حمزة وعلي وخلف. الباقون: مجهولًا {للعالمين} بكسر اللام: حفص يفصل على الغيبة: عباس. الآخرون: بالنون.

.الوقوف:

{الم} كوفي {غلبت} {الروم} o {سيغلبون} o {سنين} o {ومن بعد} ط {المؤمنون} o {ينصر الله} ط وكلاهما مبني على أن قوله: {بنصر الله} يتعلق ب {يفرح} {ينصر من يشاء} ط {الرحيم} o {وعد الله} o {لا يعلمون} o {الدنيا} ج لعطف الجملتين المختلفتين والوصل أولى {غافلون} o {في أنفسهم} ط لحق الحذف أي فيعلموا ذلك أو فيقولوا هذا القول {مسمى} ط {لكافرون} o {من قبلهم} ط {بالبينات} ط {يظلمون} o لا لأن {ثم} لترتيب الأخبار {يستهزؤن} o {يرجعون} o {المجرمون} o والوصل جائز {كافرين} o {يتفرقون} o {يجبرون} o {محضرون} o {تصبحون} o {تظهرون} o {بعد موتها} ط {تخرجون} o {تنتشرون} o {ورحمة} ط {يتفكرون} o {وألوانكم} ط {للعالمين} o {من فضله} ط {يسمعون} o {موتها} ط {يعقلون} o {بأمره} ط لأن {ثم} لترتيب الأخبار {دعوة} لا وقيل: على من الأرض وكلاهما تعسف.
والحق أن قوله: {من الأرض} متعلق ب {دعاكم} كقولك دعوت زيدًا من بيته لا كقولك دعوته من بيتي {تخرجون} o {والأرض} ط {قانتون} o {أهون عليه} ج {والأرض} ط {الحكيم} o {من أنفسكم} ط لانتهاء الإخبار إلى الاستفهام {كخيفتكم أنفسكم} ط {يعقلون} o {بغير علم} ج لابتداء الاستفهام مع الفاء {أضل الله} ط لتمام الاستفهام وابتداء النفي {ناصرين} o {حنيفا} ط {عليها} ط {لخلق الله} ط {القيم} o لا للاستدراك {لا يعلمون} o وقيل: لا وقف عليه بناء على أن {منيبين} حال من ضمير {أقم} على أن الأمر له ولأمته مثل {يا أيها النبي إذا طلقتم} [الطلاق: 1] والوقف أوضح لبعد العامل عن المعمول بل التقدير: كونوا منيبين بدليل قوله: {ولا تكونوا من المشركين} لأن قوله: {من الذين} كالبدل مما قبله {شيعًا} ط {فرحون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين}.
وجه تعلق أول هذه السورة بما قبلها يتبين منه سبب النزول، فنقول لما قال الله تعالى في السورة المتقدمة {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] وكان يجادل المشركين بنسبتهم إلى عدم العقل كما في قوله: {صُمّ بُكْم عُمْى فَهُمْ لاَ يَعْقلُونَ} [البقرة: 171] وكان أهل الكتاب يوافقون النبي في الإله كما قال: {وإلهنا وإلهكم وَاحد} [العنكبوت: 46] وكانوا يؤمنون بكثير مما يقوله بل كثير منهم كانوا مؤمنين به كما قال: {والذين ءاتيناهم الكتاب يُؤْمنُونَ به} [العنكبوت: 47] أي أبغض المشركون أهل الكتاب وتركوا مراجعتهم وكانوا من قبل يراجعونهم في الأمور، فلما وقعت الكرة عليهم حين قاتلهم الفرس المجوس فرح المشركون بذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآيات لبيان أن الغلبة لا تدل على الحق، بل الله تعالى قد يريد مزيد ثواب في المحب فيبتليه ويسلط عليه الأعادي، وقد يختار تعجيل العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر قبل يوم الميعاد للمعادي، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
ما الحكمة في افتتاح هذه السورة بحروف التهجي؟ فنقول قد سبق منا أن كل سورة افتتحت بحروف التهجي فإن في أوائلها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن كما في قوله تعالى: {الم ذلك الكتاب} [البقرة: 1، 2]، {المص كتَاب} [الأعراف: 1]، {طه مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان} [طه: 1، 2]، {الم تَنزيلُ الكتاب} [السجدة: 1، 2] {حم تَنزيل مّنَ الرحمن الرحيم} [فصلت: 1، 2]، {يس والقرءان} [يس: 1، 2]، {ص والقرءان} [ص: 1، 2] إلا هذه السورة وسورتين أخريين ذكرناهما في العنكبوت وقد ذكرنا ما الحكمة فيهما في موضعهما فنقول ما يتعلق بهذه السور وهو أن السورة التي في أوائلها التنزيل والكتاب والقرآن في أوائلها ذكر ما هو معجزة فقدمت عليها الحروف على ما تقدم بيانه في العنكبوت وهذه ذكر في أولها ما هو معجزة وهو الإخبار عن الغيب، فقدمت الحروف التي لا يعلم معناها ليتنبه السامع فيقبل بقلبه على الاستماع، ثم ترد عليه المعجزة وتقرع الأسماع.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {فى أَدْنَى الأرض} أي أرض العرب، لأن الألف واللام للتعريف والمعهود عندهم أرضهم وقوله تعالى: {وَهُم مّن بَعْد غَلَبهمْ} أية فائدة في ذكره مع أن قوله: {سَيَغْلبُونَ} بعد قوله: {غُلبَت الروم} لا يكون إلا من بعد الغلبة؟ فنقول الفائدة فيه إظهار القدرة وبيان أن ذلك بأمر الله لأن من غلب بعد غلبه لا يكون إلا ضعيفًا، فلو كان غلبتهم لشوكتهم لكان الواجب أن يغلبوا قبل غلبهم فإذا غلبوا بعدما غلبوا، دل على أن ذلك بأمر الله، فذكر من بعد غلبهم ليتفكروا في ضعفهم ويتذكروا أنه ليس بزحفهم، وإنما ذلك بأمر الله تعالى وقوله: {فى أَدْنَى الأرض} لبيان شدة ضعفهم، أي انتهى ضعفهم إلى أن وصل عدوهم إلى طريق الحجاز وكسروهم وهم في بلادهم ثم غلبوا حتى وصلوا إلى المدائن وبنوا هناك الرومية لبيان أن هذه الغلبة العظيمة بعد ذلك الضعف العظيم بإذن الله.
المسألة الثالثة:
قال تعالى: {فى بضْع سنينَ} قيل هي ما بين الثلاثة والعشرة، أبهم الوقت مع أن المعجزة في تعيين الوقت أتم فنقول السنة والشهر واليوم والساعة كلها معلومة عند الله تعالى وبينها لنبيه وما أذن له في إظهارها لأن الكفار كانوا معاندين والأمور التي تقع في البلاد النائية تكون معلومة الوقوع بحيث لا يمكن إنكارها لكن وقتها يمكن الاختلاف فيه فالمعاند كان يتمكن من أن يرجف بوقوع الواقعة قبل الوقوع ليحصل الخلف في كلامه ولما وردت الآية ذكر أبو بكر رضي الله عنه أن الروم ستغلب وأنكره أبي بن خلف وغيره، وناحبوا أبا بكر أي خاطروه على عشرة قلائص إلى ثلاث سنين فقال عليه السلام لأبي بكر البضع ما بين الثلاثة والعشرة فزايده في الإبل وماده في الأجل فجعلا القلائص مائة والأجل سبعًا، وهذا يدل على علم النبي عليه السلام بوقت الغلبة.
قوله تعالى: {للَّه الأمر من قَبْلُ وَمن بَعْدُ وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ المؤمنون}.
ثم قال تعالى: {للَّه الأمر من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} أي من قبل الغلبة ومن بعدها أو من قبل هذه المدة ومن بعدها، يعني إن أراد غلبهم غلبهم قبل بضع سنين وإن أراد غلبهم غلبهم بعدها، وما قدر هذه المدة لعجز وإنما هي إرادة نافذة، وبنيا على الضم لما قطعا عن الإضافة لأن غير الضمة من الفتحة والكسرة يشتبه بما يدخل عليهما وهو النصب والجر، أما النصب ففي قولك جئت قبله أو بعده، وأما الجر ففي قولك من قبله ومن بعده فنيًا على الضم لعدم دخول مثلهما عليه في الإعراب وهو الرفع {وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ المؤمنون} قيل يفرحون بغلبة الروم على الفرس كما فرح المشركون بغلبة الفرس على الروم، والأصح أنهم يفرحون بغلبتهم المشركين وذلك لأن غلبة الروم كانت يوم غلبة المسلمين المشركين ببدر، ولو كان المراد ما ذكروه لما صح لأن في ذلك اليوم بعينه لم يصل إليهم خبر الكسر فلا يكون فرحهم يومئذٍ بل الفرح يحصل بعده.
{بنَصْر اللَّه يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزيزُ الرَّحيمُ (5)}.
قوله تعالى: {بنَصْر الله يَنصُرُ مَن يَشَاء} قدم المصدر على الفعل حيث قال: {بنَصْر الله يَنصُرُ} وقدم الفعل على المصدر في قوله: {أيدك بنَصْره} [الأنفال: 62] وذلك لأن المقصود هاهنا بيان أن النصرة بيد الله إن أراد نصر وإن لم يرد لا ينصر، وليس المقصود النصرة ووقوعها والمقصود هناك إظهار النعمة عليه بأنه نصره، فالمقصود هناك الفعل ووقوعه فقدم هناك الفعل، ثم بين أن ذلك الفعل مصدره عند الله، والمقصود هاهنا كون المصدر عند الله إن أراد فعل فقدم المصدر.
ثم قال تعالى: {وَهُوَ العزيز الرحيم} ذكر من أسمائه هذين الإسمين لأنه إن لم ينصر المحب بل سلط العدو عليه فذلك لعزته وعدم افتقاره، وإن نصر المحب فذلك لرحمته عليه، أو نقول إن نصر الله المحب فلعزته واستغنائه عن العدو ورحمته على المحب، وإن لم ينصر المحب فلعزته واستغنائه عن المحب ورحمته في الآخرة واصلة إليه.
ثم قال تعالى: {وَعْدَ الله لاَ يُخْلفُ الله وَعْدَهُ} يعني سيغلبون وعدهم الله وعدًا ووعد الله لا خلف فيه، قوله تعالى: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون وعده وأنه لا خلف في وعده.
ثم قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهرًا مّنَ الحياة الدنيا} يعني علمهم منحصر في الدنيا وأيضًا لا يعلمون الدنيا كما هي وإنما يعلمون ظاهرها وهي ملاذها وملاعبها، ولا يعلمون باطنها وهي مضارها ومتاعبها ويعلمون وجودها الظاهر، ولا يعلمون فناءها {وَهُمْ عَن الآخرة هُمْ غافلون} والمعنى هم عن الآخرة غافلون، وذكرت هم الثانية لتفيد أن الغفلة منهم وإلا فأسباب التذكر حاصلة وهذا كما يقول القائل لغيره غفلت عن أمري، فإذا قال هو شغلني فلان فيقول ما شغلك ولكن أنت اشتغلت. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {في بضْع سنينَ للَّه الْأَمْرُ منْ قَبْلُ وَمنْ بَعْدُ وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ} فيهَا ثَلَاثُ مَسَائلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: في سَبَب نُزُولهَا: رَوَى التّرْمذيُّ وَغَيْرُهُ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَبي سَعيدٍ الْخُدْريّ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ظَهَرَتْ الرُّومُ عَلَى فَارسَ، فَأَعْجَبَ ذَلكَ الْمُؤْمنينَ، فَنَزَلَتْ: {الم غُلبَتْ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْض} إلَى قَوْله: {يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ بنَصْر اللَّه}.
قَالَ: فَفَرحَ الْمُؤْمنُونَ بظُهُور الرُّوم عَلَى فَارسَ.
وَذُكرَ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: غُلبَتْ الرُّومُ وَغَلَبَتْ، كَانَ الْمُشْركُونَ يُحبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ فَارسُ عَلَى الرُّوم؛ لأَنَّهُمْ وَإيَّاهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ، وَكَانَ الْمُسْلمُونَ يُحبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارسَ؛ لأَنَّهُمْ وَإيَّاهُمْ كَانُوا أَهْلَ كتَابٍ، فَذَكَرُوهُ لأَبي بَكْرٍ، فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَقَالَ: {أَمَا إنَّهُمْ سَيَغْلبُونَ}.
فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ، فَقَالُوا: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَك أَجَلًا؛ فَإنْ ظَهَرْنَا كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا، وَإنْ ظَهَرْتُمْ كَانَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا.
فَجَعَلَ أَجَلًا خَمْسَ سنينَ، فَلَمْ يَظْهَرُوا فَذَكَرَ ذَلكَ للنَّبيّ عَلَيْه السَّلَامُ فَقَالَ: «أَلَا أَخْفَضْت».
وَفي روَايَةٍ: «أَلَا أَحْبَطْت».
وَفي روَايَةٍ: «أَلَا جَعَلْته إلَى دُونٍ أَرَاهُ الْعَشَرَةَ».
قَالَ أَبُو سَعيدٍ: وَالْبضْعُ مَا دُونَ الْعَشَرَة؛ ثُمَّ ظَهَرَتْ الرُّومُ؛ فَذَلكَ قَوْله تَعَالَى: {الم غُلبَتْ الرُّومُ} إلَى قَوْله: {يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ بنَصْر اللَّه} قَالَ سُفْيَانُ: سَمعْت أَنَّهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْهمْ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ أَبُو عيسَى: هَذَا حَديث حَسَن صَحيح غَريب.
وَرُويَ أَيْضًا عَنْ نيَار بْن مَكْرَمٍ الْأَسْلَميّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الم غُلبَتْ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ منْ بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلبُونَ في بضْع سنينَ} وَكَانَتْ فَارسُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذه الْآيَةُ.
قَاهرينَ للرُّوم، وَكَانَ الْمُسْلمُونَ يُحبُّونَ ظُهُورَ الرُّوم عَلَيْهمْ؛ لأَنَّهُمْ وَإيَّاهُمْ أَهْلُ كتَابٍ، وَذَلكَ قَوْلُهُ: {وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ بنَصْر اللَّه يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزيزُ الرَّحيمُ} فَكَانَتْ قُرَيْش تُحبُّ ظُهُورَ فَارسَ؛ لأَنَّهُمْ وَإيَّاهُمْ لَيْسُوا بأَهْل كتَابٍ، وَلَا إيمَانٍ ببَعْثٍ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذه الْآيَةَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ يَصيحُ في نَوَاحي مَكَّةَ: {الم غُلبَتْ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ منْ بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلبُونَ في بضْع سنينَ}.
قَالَ نَاس منْ قُرَيْشٍ لأَبي بَكْرٍ: فَذَلكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، زَعَمَ صَاحبُك أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلبُ فَارسَ في بضْع سنينَ؛ أَفَلَا نُرَاهنُك عَلَى ذَلكَ، قَالَ: بَلَى.
وَذَلكَ قَبْلَ تَحْريم الرّهَان.
فَارْتَهَنَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُشْركُونَ، وَتَوَاضَعُوا الرّهَانَ، وَقَالُوا لأَبي بَكْرٍ: كَمْ تَجْعَلُ؟ الْبضْعُ ثَلَاثُ سنينَ إلَى تسْع سنينَ.
فَسَمّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَسَطًا قَالَ: فَسَمَّوْا بَيْنَهُمْ ستَّ سنينَ قَالَ: فَمَضَتْ السّتُّ سنينَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرُوا؛ فَأَخَذَ الْمُشْركُونَ رَهْنَ أَبي بَكْرٍ، فَلَمَّا دَخَلَتْ السَّنَةُ السَّابعَةُ ظَهَرَتْ الرُّومُ عَلَى فَارسَ، فَعَابَ الْمُشْركُونَ عَلَى أَبي بَكْرٍ تَسْميَةَ ستّ سنينَ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: في بضْع سنينَ، قَالَ: وَأَسْلَمَ عنْدَ ذَلكَ نَاس كَثير؛ فَهَذه أَحَاديثُ صحَاح حسَان غُرَاب.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانيَةُ: في هَذَا الْحَديث جَوَازُ الْمُرَاهَنَة: وَقَدْ نَهَى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلكَ عَنْ الْغَرَر وَالْقمَار؛ وَذَلكَ نَوْع منْهُ، وَلَمْ يَبْقَ للرّهَان جَوَاز إلَّا في الْخَيْل، حَسْبَمَا بَيَّنَّا في كُتُب الْحَديث وَالْفقْه.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالثَةُ: قَوْلُهُ: {في بضْع سنينَ} الْبضْعُ فيه لأَهْل اللُّغَة خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَا بَيْنَ اثْنَيْن إلَى عَشْرَةٍ، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ إلَى عشْرينَ، فَيُقَالُ: بضْعَ عَشْرَةَ في جَمْع الْمُذَكَّر، وَبضْعَةَ عَشَرَ في جَمْع الْمُؤَنَّث.
الثَّاني: الْبضْعُ سَبْعَة؛ قَالَهُ الْخَليلُ.
الثَّالثُ: الْبضْعُ منْ الثَّلَاث إلَى التّسْع.
الرَّابعُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ مَا بَيْنَ نصْف الْعقْدَيْن، يُريدُ مَا بَيْنَ الْوَاحد إلَى الْأَرْبَعَة.
الْخَامسُ: هُوَ مَا بَيْنَ خَمْسٍ إلَى سَبْعٍ؛ قَالَهُ يَعْقُوبُ عَنْ أَبي زَيْدٍ.
وَيُقَالُ بكَسْر الْبَاء وَفَتْحهَا قَالَ أَكْثَرُهُمْ: وَلَا يُقَالُ بضْع وَمائَة، وَإنَّمَا هُوَ إلَى التّسْعينَ.
وَالصَّحيحُ أَنَّهُ مَا بَيْنَ الثَّلَاث إلَى الْعَشْر، وَبذَلكَ يَقْضي في الْإقْرَار، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ في فُرُوع الْأَحْكَام. اهـ.